شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
آيات الله كلها عجب
...............................................................................
مر بنا الأثر الذي سأل فيه بعضهم بقوله: أخبرني بأعجب آيات الله فرد عليه بقوله: وأي آية ليست بأعجب؟ المعنى أن كل آية فيها عجب من العجاب. ليس هناك مخلوق صغير أو كبير إلا وفي خلقه عجب يدل على عظمة من خلقه.
فلو تفكرنا في خلق البعوض. هذه البعوضة الصغيرة التي في غاية الصغر يقولون: إنها على هيئة البغل على خلقة البغل.
البغل كما هو معروف حيوان كبير وقال بعضهم: بل إنها على ما هو أكبر منه وهو الفيل. الفيل أيضا من أكبر المخلوقات، وله هذا الخرطوم الطويل الذي يجتذب به النفس. البعوضة من أصغر هذه المخلوقات، لها يدان ورجلان ولها أجنحة، وكذلك أيضا لا بد لها من أمعاء تصرِّف ما تأكله أو ما تمتصه، ولها بصر يقولون: إن بصرها أشد من بصر الإنسان حيث أنها تبصر المسام في جسد الإنسان المسام الرقيقة التي يخرج منها العرق؛ فلأجل ذلك تقع عليها وتغرس فيها هذا المنقار الذي هو شبيه بالمنقار الذي ينقر به الطير. لا شك أن هذا من آيات الله تعالى، وشبيه بخرطوم الفيل إلا أنها تجعله آلة لامتصاص غذائها. لا شك أن هذا من عجائب الله، ولأجل ذلك قال تعالى: رسم> إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا قرآن> رسم> يعني أن هذه البعوضة من خلق الله ليضرب الله الأمثال بها وبغيرها.
وكذلك أيضا ذكر الله من مخلوقاته هذا الذباب، فقال تعالى: رسم> إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ قرآن> رسم> أي أن هذا الذباب الذي هو حشرة صغيرة مستقذرة هو من آيات الله، ومن عجائب خلْقه، خلَقه الله تعالى ليكون عبرة وعظة، ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد فيقول: أي آية ليست بعجيبة كل آيات الله تعالى فيها عجب العجاب. ليس هناك آية إلا ولو تفكر فيها الإنسان لاعتبر. لو تفكر في نفسه لوجد العبرة، ولو تفكر في الحشرات لوجدها آيات، ولو تفكر في الوحوش البرية المتوحشة لعرف طبائعها، وأن ذلك بتقدير وخلق من الله تعالى، وكذلك لو تفكر في البهائم المسخرة للإنسان كبهيمة الأنعام التي يسر الله وسخر للإنسان أن يستعملها رسم> وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ قرآن> رسم> .
كذلك أيضا لو تفكر في الحشرات التي انتشرت على وجه الأرض صغيرها وكبيرها لا يحصي عددها إلا الله فعرف بذلك أنه ليس شيء من آيات الله إلا وفيه عجائب من مخلوقاته؛ عجائب تدل على عظمته وعظيم قدرته. وكذلك من آيات الله تعالى هذا الكون الذي تعيش عليه هذه المخلوقات. هذه الأرض التي هي جزء من مخلوقات الله تعالى، بث فيها من كل دابة، وأعطى كل دابة رزقها التي تتقوت به، وعلمها كيف تعيش. الطيور تعرف قوتها ورزقها، والوحوش كذلك والسباع كذلك، والهوام والحشرات والبهائم وما أشبه ذلك. لا شك أن هذه كلها آيات تدل على عظمة قدرة من أوجدها.
مسألة>